الوقف في الإسلام وأهميته الاجتماعية والاقتصادية

كل إنسان يتمنى أن يبقى ذكره طيباً عطراً بعد الموت، وليس هناك أجمل من ربط اسمنا بعد موتنا بعمل خير يستمر نفعه للأمة، ويصلنا أجره بعد موتنا، وكيف يتم ذلك؟ من خلال الأمر بوقف ينتفع به الناس، لكن ما هو الوقف؟ وماهي شروطه وأحكامه؟ وهل فعله رسول الله وصحابته الكرام؟ هذه المعلومات وغيرها ستجدها في هذه المقالة.

ما هو الوقف؟

الوقف نوع من أنواع الصدقات، وتعني كلمة وقف: المنع من التصرف في هذا المال، والتصرف بمنفعته في سبيل الله، فالوقف في اللغة هو المنع.

فالوقف: هو حبسُ مالٍ يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، تقرباً إلى الله تعالى، وعليه يخرج المال من ملك واقفه، ويصبح حبيساً في حكم ملك الله، ويُمنع الواقف بعدها من التصرّف به، وهذا قول جمهور الفقهاء.

تاريخ الوقف

الوقف من الخصائص التي اختصّ بها الإسلام، إذ لم يكن موجوداً في الجاهلية كما يقول (الإمام الشافعي) رحمه الله، ومن أوائل الأوقاف في الإسلام:

• أرض المسجد النبوي (وقف بني النجار): أوقف بنو النجار جزءاً من أرضهم في بناء المسجد النبوي، فأراد رسول الله ﷺ أن يعطيهم ثمنها، فلم يقبلوا أن يأخذوا ثمنها إلا من الله.
• سهم عمر بن الخطاب من خيبر: روى البخاري أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى رسول الله ﷺ فقال له: يا رسول الله أصبت أرضاً لم أُصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به، فقال رسول الله ﷺ: (إن شئتَ حبستَ أصلها وتصدّقت بها) [البخاري – 2772] و[مسلم – 1632].
• بئر رومة (وقف عثمان بن عفان): عندما طلب رسول الله ﷺ من الصحابة أن يشتروا بئر رومة ويجعلوه في مصلحة المسلمين، فاشتراه عثمان رضي الله عنه وجعله في خدمة المسلمين.

 حكم الوقف

الوقف من السنن المؤكدة التي حثّ عليها الإسلام، وما من صحابي عنده المقدرة على الوقف إلا وأوقف وقفاً، عملاً بقوله تعالى ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران – 92]، والوقف من أعظم أنواع الإنفاق، لأن فيه الخير لصاحبه وللمجتمع.

والوقف فعل مستحب حث النبي عليه، إذ قال رسول الله ﷺ: (سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم علماً، أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته) [البيهقي في شعب الإيمان – 3449]

 شروط الوقف

حتى يصح الوقف لابد من توافر شروط في كل من الواقف، والموقوف.

شروط الواقف

من الشروط الواجب توافرها في الواقف حتى يصح الوقف، أن يكون الواقف:

• حراً مالكاً: فلا يصح وقف العبد، لأنه لا يملك نفسه، ولا يصح وقف المحجور عليه.
• عاقلاً: فلا يصح وقف المجنون أو المعتوه أو مختل العقل بسبب مرض أو كبر.
• بالغاً رشيداً: فلا يصح وقف الصبي، كما لا يصح وقف السفيه.
• مختاراً: فلا يصح وقف المُكره.

ويصح وقف المريض مرض الموت فيما دون ثُلث التركة.

شروط الموقوف

أما الشروط الواجب توافرها في الموقوف لصحة الوقف فهي أن يكون الموقوف:

• معلوماً قدره: كأن تقول دونم من الأرض (1000 متر)، أو تعيين نسبته إلى شيء معلوم (نصف الأرض الشمالية).
• مملوكاً ملكاً تاماً لواقفه عند وقفه.
• منفعته دائمة: مثل العقار، المواشي، السلاح، الأثاث، وغير ذلك مما يدوم.

ويجوز وقف المشاع إذا عُيّنَت حصته السهمية وهو رأي الجمهور (كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في حصته السهمية من خيبر).

أنواع الوقف

للوقف نوعين رئيسيين: الوقف الخيري – الوقف الأهلي (الذري)  

الوقف الخيري

وهو الذي يوقف على جهة خيرية، ويمكن أن يوقف نفعه على مستحقيه لمدة محددة، ثم يعود نفعه على واقفه وذريته، كأن يوقف عقاراً لمشفى أو مدرسة، ثم بعد ذلك على نفسه وأولاده.

الوقف الأهلي (الذري)

وهو الذي يوقف ابتداءاً على نفس الواقف وذريته، ثم يعود الوقف لجهة خيرية بعده.

والأصل منه ألا يدع الواقف ذريته عالةً على المجتمع.

أهمية الوقف في الإسلام

الوقف له أهمية كبيرة في الإسلام، فهو يساهم في بناء المجتمع وتحسين حياة الناس من خلال دعم المشاريع الخيرية والتعليم والصحة وغيرها من المجالات التي تعود بالفائدة على المجتمع بشكل عام، ومن أهم أهداف الوقف في الإسلام:

1.  يعمل الوقف على التنمية الاقتصادية من خلال استثمار رؤوس أموال المسلمين بما يعود بالنفع العام على كل المجتمع المسلم وقاطنيه من مسلمين وغيرهم.
2.  الوقف أجره متعدي: تنبع أهمية الوقف في الإسلام من خلال منفعته التي تتعدى إلى الأجيال القادمة.
3. دعم المشاريع الخيرية: يمكن استخدام ريع الوقف لدعم المشاريع الخيرية التي تستهدف الفئات الضعيفة والمحتاجة في المجتمع، مثل إنشاء المستشفيات والمدارس والمساجد ودور الأيتام والمساعدات المالية للفقراء والمحتاجين.
4.  تعزيز العدالة الاجتماعية: يساهم الوقف في تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، حيث يتم توزيع ريع الوقف على المستفيدين بحسب الشرط الذي حدده المؤسس للوقف، وبذلك يتم تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
5. نشر التعليم والثقافة: يمكن استخدام ريع الوقف لدعم المشاريع التعليمية والثقافية، مثل إنشاء المكتبات والجامعات ودور النشر والمنشورات الثقافية، وبذلك يتم تحسين مستوى التعليم والثقافة في المجتمع وتعزيز التنمية الثقافية.
6. المحافظة على الأصول: يحمي الوقف الأصول المخصصة له من التصرف السيئ أو الضياع، حيث يجب أن يتم تخصيصها وفقاً للشريعة الإسلامية ويتم إدارتها بواسطة شخص أو هيئة مختصة، وبذلك يتم المحافظة على الأصول وتحقيق الاستدامة المالية للمشاريع الخيرية.

 وبشكل عام، يمثل الوقف في الإسلام أحد أهم الآليات التي تساعد على تحسين حياة الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز التنمية في المجتمع.

من صور الوقف

امتازت الأوقاف في الحضارة الإسلامية بكثرة أنواعها وسعة انتشارها، ويُعدّ النظام الوقفي الإسلامي، أكبر دليل على تميز أمة الإسلام بهذا النظام الخيري المتكامل المتكافل، فمن صور الوقف:

الوقف التعليمي

ومن صوره: 

• وقف عقار أو أرض لبناء مدارس أو معاهد أو جامعات.
• أو تأجير عقار يعود ريعه للإنفاق على طلبة العلم، ومن يقوم على خدمتهم.

الوقف الاجتماعي

ذكر ابن بطوطة عن أعجب ما رآه في رحلاته، عندما رأى أوقاف دمشق فانبهر بحسن ها وروعتها فقال: والأوقاف بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها؛ لكثرتها، فمنها:

• أوقاف للعاجزين عن الحج، يُعطى لمن يحج عن الرجل منهم كفايته.
• أوقاف لتجهيز البنات إلى أزواجهن، وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن.
• أوقاف لفكاك الأسرى.
• أوقاف لأبناء السبيل، يعطَون منها ما يأكلونه ويلبسونه ويتزودون به حتى يصلوا إلى بلادهم.
• أوقاف لتعديل الطرق ورصفها؛ لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون، ويمر الركبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير.
• أوقاف الأواني المكسورة: وهو من أوقاف دمشق أيضاً، فربما يتعرض الإناء للكسر بيد الغلام أو الخادم فحتى لا يعاقبه سيده كان يأتي إلى هذا الوقف ويأخذ البديل عنه.
• أوقاف لإعارة الحلي والزينة للأعراس والأفراح: وكان منتشراً في كثير من البلدان الإسلامية، لجبر خاطر الفقراء في مثل هذه المناسبات.

الوقف الصحي

ومنه بناء البيمارستانات (المشافي).

وتأمين الدواء اللازم.

وتأمين نفقة السفر لمن يحتاج العلاج والعودة لبلده.

اجعل وقفك في القدس

يحرص المسلمون منذ القدم على تخصيص أراضي وأماكن مقدسة في القدس على جهة الوقف، لما للقدس من مكانة عالية في القلوب والعقول إذ هي من أهم المدن المقدسة في الإسلام.

 ويمكن للمسلمين اليوم أيضًا تخصيص وقفهم في القدس، سواء كان ذلك عن طريق تخصيص أرض أو عقار أو أي أصول أخرى لهذا الغرض، ويمكن استخدام ريع الوقف لدعم المشاريع الخيرية والتعليم والصحة وغيرها من المجالات التي تعود بالفائدة على المجتمع.

ويمثّل الوقف في القدس أسلوباً فعالاً لدعم المشاريع الخيرية في مدينة القدس والحفاظ على مكانتها وحرمتها في القلوب والعقول.

ونحن في مؤسسة إحياء الدولية قد أخذنا على عاتقنا أن نكون يدكم الطولى في دعم القدس وأهلها، والإشراف على وصول الخير لمستحقيه من أهاليها.

ومن أهم أعمال مؤسسة إحياء الدولية المستمرة في خدمة أهالي المدينة المقدّسة؛ دعم الأرامل والأيتام، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، ودعم حلقات القرآن في مساجد القدس العامرة.

الأسئلة الشائعة

المصادر

• الدرر السنية
• الإسلام سؤال وجواب
• إسلام ويب
• موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته، د وهبة الزحيلي
• الموسوعة الفقهية